فصل: الشاهد الواحد بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة بني واسول ملوك سجلماسة وأعمالها من مكناسة.

كان أهل مواطن سجلماسة من مكناسة يدينون لأول الإسلام بدين الصفرية من الخوارج لقنوه عن أثمتهم ورؤوسهم من العرب لما لحقوا من المغرب وأسروا على الامتناع وماجت أقطار المغرب لفتنة ميسرة فلما اجتمع على هذا المذهب زهاء أربعين من رجالاتهم نقضوا طاعة الخلفاء وولوا عليهم عيسى بن يزيد الأسود من موالي العرب ورؤوس الخوارج واختطوا مدينة سجلماسة لأربعين ومائة من الهجرة ودخل سائر مكناسة من أهل تلك الناحية في دينهم ثم سخطوا أميرهم عيسى ونقموا عليه كثيرا من أحواله فشدوه كتافا ووضعوه على قنة جبل إلى أن هلك سنة خمس وخمسين ومائة واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن واسول بن مصلان بن أبي نزول كان أبوه سمقو من حملة العلم ارتحل إلى المدينة فأدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس ذكره عريب بن حميد في تاريخه وكان صاحب ماشية وهو الذي بايع لعيسى بن يزيد وحمل قومه على طاعته فبايعوه من بعده وقاموا بأمره إلى أن هلك سنة سبع وستين ومائة لمنتهى عشر سنين من ولايته وكان أباضيا صفريا وخطب في عمله للمنصور والمهدي من بني العباس ولما هلك ولوا عليهم ابنه إلياس وكان يدعى بالوزير ثم انتقضوا عليه سنة أربع وتسعين ومائة فخلعوه وولوا مكانه أخاه إليسع بن أبي القاسم وكنيته أبو منصور فلم يزل أميرا عليهم وبنى سور سجلماسة لأربع وثلاثين سنة من ولايته وكان أباضيا صفريا وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة وهو الذي أتم بناءها وتشييدها واختط بها المصانع والقصور وانتقل إليها آخر المائة الثانية ودوخ بلاد الصحراء وأخذ الخمس من معادن درعة وأصهر لعبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت بابنه مدرار في ابنته أروى فأنكحه إياها.
ولما هلك سنة ثمان ومائتين ولي بعده ابنه مدرار ولقبه المنتصر وطال أمر ولايته وكان له ولدان اسم كل واحد منهما ميمون أحدهما لأروى بنت عبد الرحمن بن رستم وقيل إن إسمه أيضا عبد الرحمن والآخر لبغي وتنازع في الاستبداد على أبيه ودامت الحرب بينهما ثلاث سنين وكانت لأبيهما مدرار صاغية إلى ابن أروى فمال معه حتى غلب أخاه فأخذه وأخرجه عن سجلماسة ولم يلبث أن خلع أباه واستبد بأمره ثم ساءت سيرته في قومه ومدينته فخلعوه وصار الى درعة وأعادوا مدرارا الى أمره ثم حدث نفسه بإعادة ابنه ميمون ابن الرستمية إلى إمارته بصاغية إليه فخلعوه ورجعوا ابنه ميمونا بن التقي وكان يعرف بالأمير.
ومات مدرار إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين لخمس وأربعين من ملكه وأقام ابنه ميمون في استبداده إلى أن هلك سنة ثلاث وستين ومائتين وولي ابنه محمد وكان أباضيا وتوفي سنة سبعين ومائتين فولي إليسع بن المنتصر وقام بأمره ولحق عبيد الله الشيعي وإبنه وأبو القاسم بسلجماسة لعهده وأعد المعتضد إليه في شأنهما وكان على طاعته فاستراب بهما وحبسهما إلى أن غلب الشيعي بني الأغلب وملك رقادة فزحف إليه لاستخراج عبيد الله وإبنه من محبسه وخرج إليه إليسع في قومه مكناسة فهزمه أبو عبيد الله الشيعي واقتحم عليه سجلماسة وقتله سنة ست وتسعين ومائتين واستخرج عبيد الله وإبنه من محبسهما وبايع لهما وولى عبيد الله المهدي على سجلماسة إبراهيم بن غالب المراسي من رجالات كتامة وانصرف إلى أفريقية.
ثم انتقض أمراء سجلماسة على واليهم إبراهيم فقتلوه ومن كان معه من كتامة سنة ثمان وتسعين ومائتين وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير ابن مدرار ولقبه واسول وميمون ليس هو ابن المتقي الذي تقدم ذكره وكان أباضيا وهلك قريبا من ولايته لرأس المائة الثالثة فولي أخوه أحمد واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حبوس في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلثمائة فدوخ المغرب وأخذهم بدعوة صاحبه عبيد الله المهدي وافتتح سجلماسة وتقبض على صاحبها أحمد بن ميمون بن مدرار وولى عليها ابن عمه المعتز بن محمد بن ساور بن مدرار فلم يلبث أن استبد وبلغها المعتز وهلك سنة إحدى وعشرين وثلثمائة قبيل ملك المهدي وولي من بعده ابنه أبو المنتصر محمد بن المعتز فمكث عشرا ثم هلك وولي من بعده ابنه المنتصر سمكو شهرين وكانت جدته تدبر أمره لصغره ثم ثار على ابن عمه محمد بن الفتح بن ميمون الأمير وتغلب عليه وشغب عليه بنو عبيد الله لفتنة ابن أبي العافية وتاهرت ثم نقلته إلى أبي يزيد بعدهما فدعا محمد ابن الفتح لنفسه مموها بالدعوة لبني العباس وأخذ بمذاهب أهل السنة ورفض الخارجية ولقب الشاكر بالله واتخذ السكة بإسمه ولقبه وكانت تسمى الدراهم الشاكرية كذا ذكره ابن حزم وقال فيه:
وكان في غاية العدل حتى إذا فزع له بنو عبيد وحمت الفتنة زحف جوهر الكاتب أيام المعز لدين الله في جموع كتامة وصنهاجة وأوليائهم إلى المغرب سنة سبع وأربعين وثلثمائة فغلب على سجلماسة وملكها.
وفر محمد بن لفتح إلى حصن تاسكرات على أميال من سجلماسة وأقام به ثم دخل سجلماسة متنكرا فعرفه رجل من مضغرة وأنذر به فتقبض عليه جوهر وقاده أسيرا إلى القيروان مع أحمد بن بكر صاحب فاس كما نذكره وقفل إلى القيروان فلما انتقض المغرب على الشيعة وفشت بدعة الأمية وأخذ زناتة بطاعة الحكم المنتصر ثار بسلجماسة قائم من ولد الشاكر وباهي المنتصر بالله ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة فقتله وقام بالأمر مكانه وتلقب المعتز بالله.
وأقام على ذلك مدة وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب عليهم إلى أن زحف حرزون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وثلثمائة وأبرز إليه أبو محمد المعتز فهزمه حرزون وقتله واستولى على بلده وذخيرته وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتاب الفتح وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن أبي عامر فنسب إليه واحتسب له لحدا بقبة وعقد لحرزون على سجلماسة فأقام دعوة هشام بأنحائها فكانت أول دعوة أقيمت لهم بالأمصار في المغرب الأقصى وانقرض أمر بني مدرار ومكناسة من المغرب أجمع وأدال منهم بمغراوة وبني يفرن حسبما يأتي ذكرهم في دولتهم والأمر لله وحده وله البقاء سبحانه وتعالى.